تمرّ اللحظات التي تختبرنا... لا بكم نعرف، بل بكيف نشعر. حين يُسمع صوت في السماء، لا ينتظر الطفل شرحًا، بل نظرة مطمئنة. لا يسأل: "ما هذا؟" بل يبحث في عيني أمه عن الأمان.
لكلّ عمر طريقته في التعبير، ولكلّ نفس مساحة مختلفة في استقبال الأحداث. الصغير يلتجئ إلى الحضن، إلى صوتٍ هادئ يهمس: "الله معنا"، إلى لعبة يعرفها، إلى قصةٍ تُقال بنبرة محبّة. الطفل الأكبر، يبدأ بالسؤال. لا يريد كل التفاصيل، بل يحتاج إلى وضوحٍ مشبع بالسكينة. أن نقول له بثقة: "هناك رجال كرام يسهرون لحمايتنا، ونحن الآن بخير، والله أقرب إلينا من كل شيء."
أما من كبر فكرُه ونما وعيه، فهو لا يبحث عن إجابة بقدر ما يبحث عن احترام لما يشعر به. قد يصمت، أو يتأمل، أو يطرح تساؤلاته بتردّد. وما يحتاجه هو صدرٌ يسمع، وكلمة تقدّر، وحوار يفتح له بابًا لفهمٍ أعمق... لا لإقفال مشاعره. في هذه اللحظات، الأم ليست مطالبة بإلغاء الحدث، ولا بتقديم أجوبة كاملة، بل بأن تكون مرآةً للسكينة. فالقلق مشروع، والخوف طبيعي، لكن السكون ينتقل بالعدوى مثلما ينتقل الاضطراب. وما ينقله وجه الأم، يسكن قلب الطفل قبل أيّ كلمة.
أن نحمي أبناءنا لا يعني فقط أن نُبعدهم عن الأصوات، بل أن نقرّبهم من الله، من ذواتهم، من محبتنا، من كلمات تدفئ الروح وتزرع الثقة في داخلهم. أن نعلّمهم أن الحياة مليئة بالمواقف المختلفة، وأن قلوبنا متى ما تعلقت بالرحيم، سكنت. في كل لحظة صعبة، فرصة لتثبيت قيمة، وتعزيز علاقة، وبناء أمن داخلي يبقى. فليكن حضورنا مع أطفالنا مرفأ استقرار، لا تعبيرًا عن الخوف. ولنعلّمهم، بالحبّ، أن السلام يبدأ من الداخل، وأن الله أقرب إليهم من أيّ صوت عابر في السماء.
مها شحاده
أخبار ومواقف يومية تحدث مع هذه الأزمة، منها ما هو مؤلم ومنها ما يزف معه رائحة النصر، وتختلف ردود فعل الآباء والأمهات أمام أبنائهم تجاه الأخبار والمواقف التي نسمع بها يومياً. فبعضهم قد يثير المشاعر السلبية – دون أن يعي – مثل الخوف أو الإحباط أو سوء الظن بالله، مما يجعل الأبناء متوترين نافرين أو خائفين ومحبطين، وقد يصل الأمر إلى إساءة سلوك الأبناء بشكل غريب بسبب الغضب المكبوت مما يحدث؛ كما وردني من بعض الأمهات.
وبعض الآباء والأمهات قد يستغل الأخبار والمواقف التي تحدث ليُربي أبناءه على معانٍ مهمة جداً برزت مع هذه الأزمة ومشاعر عزيزة يحتاجها أبناؤنا كما يحتاج النبات الماء.
فما هي ردة فعلك عند سماع الأخبار؟ وما هي المشاعر التي تشعر بها وتبثها لأبنائك؟
شاركونا.. ما هي أكثر مشاعر التي نجحت في بثها حتى الآن في أبنائك؟ وما المشاعر التي لم تنتبه لها؟
عندما تمر بتحديات صعبة وأزمات تقول لنفسك "كن إيجابياً" فتحاول ألا تفكر بما يحدث معك من وقائع مؤلمة، لتركز على أهدافك وحياتك، فتسير أمورك على ما يرام، بالرغم من التحديات التي تحيط بك، تمضي قدما إلى الأمام، ولكنك تشعر أنك لا تمشي بوزنك الطبيعي، بل كأنك محملاً بأثقال، تجرها معك حيث مضيت.
ومع تراكم التحديات، والاستمرار في الرغبة في التفكير الإيجابي، تمشي وأنت تحمل جبالاً على كاهلك وأنت لا تدري، لأنك مصر على الإيجابية والتقدم في الحياة، ثم تتساءل:
لماذا أشعر أني لا أستمتع بالحياة؟ ولماذا أشعر أن صحتي وطاقتي الجسدية في تراجع؟ ولماذا؟ ولماذا؟
إن كان هذا الوصف ينطبق عليك فأنت شخص دخل في قفص السلبية باسم الإيجابية الكاذبة.
كثيراً ما يتم الإساءة إلى مصطلح الإيجابية.. "كن إيجابياً".. "وإيجابياً".. "وإيجابياً".. دون وعي كافٍ بما تعني الإيجابية حقاً، فتتحول إلى "مُخدّر" يسمح بتراكم السموم داخلنا، ونحن لا نريد أن ننظر أو نشعر أو نفكر!
من الطبيعي أن تشعر بالحزن أو الغضب أو الإحباط، لا تتجاهل هذه المشاعر لتبدو إيجابياً. اسمح لنفسك بالتعبير عنها بطرق صحية. تذكر أن النبي محمد ﷺ بكى وحزن، وكان له عام كامل يسمى "عام الحزن".
طرق صحية للتعبير عن مشاعرك:
عندما تطفو مشاعرك السلبية إلى السطح وتدركها، يمكنك البدء في فهم أسبابها ووضع حلول حقيقية.
أمثلة على مشاعر قد تحتاج للتسمية:
الصبر لا يعني التجاهل، بل الاعتراف بالضعف مع الإيمان والاستمرار في السعي.
إذا كانت معاناتك مرتبطة بأشخاص حولك، فتعلم أن تضع حدوداً. لا تبرر الإيذاء بحجة الطيبة أو الرغبة في السلام. الإيجابية تعني احترام الذات أيضاً.
استخدم أيضاً هذه الصيغة البسيطة:
أنا أشعر بـ... وأحتاج أن...
أمثلة:
ستبقى الحياة تتقلب معك، ساعة شكر، وساعة صبر. تقبلك للمشاعر المختلفة والنمو من خلالها هو جزء من عيش الحياة الحقيقية بألوانها.
لا يستطيع ولدك أن يسعد عندما يكبر إلا إذا نجح في علاقاته مع الناس المحيطة به، سواء على صعيد الأسرة أو العمل، أو الأهل والأصدقاء، ولكي ينجح في ذلك؛ يحتاج أن يمتلك أهم مهارة من مهارات الذكاء العاطفي؛ ألا وهي مهارة "التعاطف". ما هو التعاطف؟ يعرّف التعاطف بأنه الوعي بمشاعر الآخرين، والقدرة على تصور نفسه مكان الآخر الذي يعاني، والشعور بالتعاطف مع ما يمر به مع تقديم العون عند القدرة على ذلك. من المهم أن يستغل الآباء مرحلة الطفولة لتنمية مهارة التعاطف، حيث يكون من السهل جداً تنميتها في سن صغيرة بسبب لدونة الدماغ العالية.
كيف تنمي مهارة التعاطف مع ولدك في خمس خطوات؟
طبق نفس الخطوات على طفلك عندما يشعر هو بشعور سلبي، دعه يسمِّ الشعور، ثم يكتشف السبب ويجد حلاً، ثم يقوم به لتنمي مهارة "إدارة المشاعر الذاتية". إن تنمية مهارة التعاطف على صعيد المجتمع تؤدي إلى تكوين مجتمع رحيم وأمّة رحيمة، بينما الافتقار إلى التعاطف يدل على وجود اضطراب في الشخصية، ويؤدي إلى تكوين الشخصية النرجسية، وهي الشخصية التي تزداد انتشاراً في كل يوم بسبب ضعف مهارات المربين في تربية "إنسان".. تنمية مهارة التعاطف ليست ترفاً فكرياً بل أساساً في تربية أبنائنا.
الحياة تجربة كبيرة للتعلم ليس الهدف منها أن تكون مثالياً بل أن تتعلم من الأخطاء السابقة حتى لا تكررها
فلا توجع نفسك لأنك أخطأت فأنت بشر لا يمكن أن تكون مثالياً أو ملاكاً بل خلقت لتتعلم..
حوّل تفكيرك من سلبي مؤلم إلى إيجابي بنّاء بتذكير نفسك أني تعلمت وسأحرص ألا أعيد الخطأ!
أنا بشر!
سأنمو وأصبح أقوى لأني تعلمت!
الحياة تجارب!
وكلما أعادك تفكيرك لنقطة "الألم من الخطأ" عد به لنقطة "أنا بشر! ولقد تعلمت وكبرت بتجاربي وأصبحت أقوى!" ليركز دماغك على ما تريد لا على ما يريد!
إن كان هناك ما يحتاج إلى توبة فتب إلى الله فتشعر بعبوديتك لله وتعلو فوق أخطائك ..
تذكر حديث رسول الله ﷺ :
لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم. رواه مسلم.
من الطبيعي أن تخطئ فأنت بشر.. لكن إن لم تتقبل أنك بشر تخطئ فأنكرت الخطأ أو لمت غيرك أو سيطر عليك ألم أنك تخطئ فلن تتعلم وتنمو بل ستبقى في صندوق مظلم..
حرّر نفسك!
عندما تكون مبادئك في الحياة عظيمة وأهدافك تتوافق مع هذه المبادئ ستحترم نفسك على قدر عظم المبادئ التي تؤمن بها
وكلما تطابقت أفعالك مع هذه المبادئ زاد احترامك لنفسك وارتفع تقديرك لنفسك
وعندما يتحدث الإنسان عن إيمانه بمبادئ عظيمة ويفعل عكسها يفقد احترامه لنفسه بقدر هذه الفجوة التي تفصل مبادئه عن سلوكه
قد يعتقد بعض الناس أنه من الذكاء أن أخدع الآخرين بقناع أضعه أمامهم أبدو من خلاله بأني إنسان كبير بمبادئي التي أتحدث عنها وهو في الحقيقة لا يخدع أحد بقدر ما يخدع نفسه فهو لا يدري أنه يشعل صوت الاحتقار الذاتي في أعماقه الذي يفسد عليه مشاعره الإيجابية عن نفسه في كل لحظة تجعل فاقداً للاحترام الذاتي وفاقداً الإحساس بقيمته الحقيقية
لذلك أكثر الناس كرهاً لأنفسهم هم المنافقون والنرجسيون الذي يعيشون في خداع دائم والشيطان يزين لهم أنهم الأذكى وهم في الحقيقة ليسوا سوى الأحقر أمام أنفسهم وأمام من يكشفهم!
أن تحترم نفسك وتقدرها يعني أن تكون حقيقياً لا مزيفاً.. وأن تتطابق أقوالك مع أفعالك.. فإذا زللت وتعارضت أفعالك مع أقوالك ومبادئك فليس لك إلا التوبة تعيدك إلى ذاتك الحقيقية وتقلص الفجوة التي تكونت في أعماقك وتردك إلى صدقك مع نفسك رداً جميلاً..
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً..
ثقافة خاطئة منتشرة جداً في مجتمعاتنا تحرمنا النجاح في تربية أبنائنا والاستمتاع بعلاقتنا معهم، بل وتمنع نموّهم العاطفي والمنطقي وهي "التعامل مع الخطأ".
مثلاً: عندما تَرِدني أنا كأم أو كأب ملاحظة من المدرسة أن ولدي ينسى حل واجباته.. ما هي ردة الفعل الدارجة تجاه هذا الخطأ؟
خيبة الأمل؟ التأنيب؟ التهديد؟ الوعظ؟..
ماذا سيتعلم الولد.. أن يخفي خطأه؟ أن يكره نفسه؟ أن يشعر بالإحباط والدونية؟
من الممكن أن نستغل وجود أخطاء لأبنائنا ونحولها لفرصة لتعليمهم مهارات التفكير وتنمية الذكاء ورفع الثقة بالنفس من خلال تعليم مهارة حل المشكلات بدلاً من التأنيب والإحباط.
يجب أن تسأل ولدك بثقة وحسن ظن ومن دون تخويف:
لماذا تنسى حل الواجب؟ فكر ما هي الأسباب التي تجعلك تنسى؟
ثم تستمع إليه باحترام وتعطيه الفرصة ليفكر ويحلل الأسباب وينمي مهارات تفكيره، وتتقبل أنه من الطبيعي أن يخطئ الإنسان، فيتعلم مراجعة نفسه ويتحمل مسؤولية خطئه، بدل من إخفائه وإنكاره كما يفعل كثير من الناس في مجتمعاتنا اليوم.
بعد أن تصغي إليه، تطلب منه أن يضع الحلول لهذه المشكلة التي يعاني منها، ويختار منها ما يمكن تطبيقه فعلاً:
ماذا يمكن أن تفعل لحل مشكلة نسيان الواجب؟
تابعه في حل المشكلة وشجعه على التقدم في حلها، اسأله:
ماذا حدث معك؟ كم نسبة تقدمك في حل المشكلة؟
مع تقبل أنه لا يستطيع فجأة أن يحل جميع واجباته، وبالتالي نشجعه على أي تقدم يحرزه حتى لو كان حل واجب واحد في الأسبوع، طبعاً مع استمرار تشجيعه على وضع الحلول لهذه المشكلة ومناقشته في الأسباب والحلول ليصل إلى المرحلة أنه يتذكر حل واجباته بصورة عالية.
عندما نتقبل أن التقدم الجزئي هو الذي يؤدي إلى التقدم العالي، ونشجع الجهد المبذول بدل من منح التقدير للنتيجة النهائية، سيتشجع ولدنا لتحقيق المزيد من التقدم ولن يخاف الفشل، وبالتالي سيكتسب عقلية نامية Growth Mindset تعانق التحدي وتستمتع بتحقيق أجزاء صغيرة يومية من النجاح، تشجعه على تحقيق المزيد والمزيد من النجاح في حياته.
إن منح التقدير فقط عندما يحقق ولدنا النتيجة النهائية يكسب الولد عقلية الأبيض والأسود Black or white - وهي من أخطاء التفكير الدارجة Cognitive Distortions، التي تؤدي إلى السلبية وضيق الأفق والخوف من المبادرة، فهو إما ناجح أو فاشل، إما أحل جميع الواجبات أو أنا فاشل.
كم يحتاج أبناؤنا إلى الاحتواء عندما يخطئون، بدلاً من الوقوف ضدهم وإحباطهم في واقع صعب ينتظرهم؟
وكم يحتاجون إلى تنمية مهاراتهم بدلاً من تجميدها من خلال التخويف والإحباط وإلقاء اللوم؟
وكم يحتاجون إلى التشجيع ليواجهوا التحديات وينمون من خلالها، ليشعروا بالثقة ومتعة النمو، بدلاً من الإحساس بالضعف والدونية؟
ثم نلومهم لماذا لا يتحملون المسؤولية ولماذا هم سلبيّون؟!
هل يجب أن يشكر الإنسان نفسه؟ وعلى ماذا يشكر نفسه؟
وهل شكر النفس يؤدي إلى العجب؟
وماذا لو لم يشكر الإنسان نفسه؟ هل سيؤثر على إحساسه بقيمته الذاتية؟
وما تأثير إحساس الإنسان بقيمته على نفسيته وسلوكه؟
أسئلة وصلتني من المتدربات في دورة مربي الشخصية الإبداعية الأخلاقية التي انطلقت قبل أسبوع، ونحن نتحدث عن أهمية إثارة المشاعر الإيجابية لفرز هرمونات السعادة التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourish ، وبالتالي تحقيق السعادة والرضا well being ، وذلك وفق علم النفس الإيجابي.
الشكر يفرز هرمونات إيجابية مهمة في تحقيق التوازن النفسي وازدهار الدماغ، مثل هرمون السيراتونين وهرمون الأكسيتوسين وهرمون الدوبامين، سواء كان هذا الشكر موجهاً لله تعالى، أو للناس، أو للنفس، حيث ينشر الشكر في النفس الإحساس بالتقدير والرضا والسعادة، لذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله. رواه الترمذي
ونحن من الناس! فهل يجب أن نشكر أنفسنا؟ وكيف نشكر أنفسنا دون أن نصاب بالعجب؟
شكر النفس هو من شكر الله تعالى، فعندما ننتبه إلى الأعمال الصغيرة التي قمنا بها خلال يومنا فإننا ننتبه إلى نعم الله تعالى علينا، فلولا توفيق الله لنا ما تحركنا من أماكننا، ولا بادرنا وقمنا بأي عمل، فهذا الشكر يجعلنا نقدّر أنفسنا ونشعر بقيمة ما نقوم به، ونحن نشكر الله في الوقت ذاته، ونرجع الفضل إليه، أي يمكننا أن نسميه: شكر الذات على أعتاب العبودية لله تعالى (وما توفيقي إلا بالله).
كما أن الإنسان إذا لم يشكر نفسه ويقدّر نفسه من الداخل، لن يعوّضه التقدير الخارجي مهما كان، لأن التقدير الذاتي ينبع من الداخل وليس من الخارج.
إذن يجب أن نشكر أنفسنا على ما نقوم به، ونربط هذا الشكر بشكر ثاني هو شكر الله تعالى على توفيقه لنا، وهنا يأتي السؤال:
كيف يمكن أن نشكر أنفسنا؟..
تخيل معي..
في آخر يومك، وقبل أن تسدل الستارة على هذا اليوم، مر بخيالك على مشاهد يومك، وتذكر:
ما الأشياء التي قمت بها وتؤثر عليك وعلى المحيطين بك؟ ماذا فعلت اليوم من أشياء إيجابية وطيبة؟
مرّ وأنت تتذكر وتشكر نفسك وتشجعها، وتشكر الله تعالى أنه أعانك..
قل لنفسك (مثلاً): الحمد لله أني.. استيقظت في الصباح، تهيئت واعتنيت بنفسي، سعيت وعملت، صليت، ذكرت الله، قمت بأعمال منزلية، تواصلت مع والديّ، سألت عن صديق، تناولت طعاماً صحياً، مارست رياضة، استرخيت، قمت بشيء استمتعت به وجددت نشاطي، استمعت إلى فيديو تعلمت منه شيئاً إيجابياً، قرأت، تصدقت، ساعدت، قلت كلمة لطيفة شكرت فيها أحداً، منعت ظلم وأذى عن نفسي أو عن غيري، سامحت، رحمت، حنوت، ابتسمت في وجه أحد..
تخيل.. كل ما سبق هو إحسان للنفس وللآخرين.. إحسان يستحق شكر النفس وشكر الله، ونحن عندما ننتبه إلى تفاصيل يومنا، ونشكر أنفسنا على هذا الإحسان، سنبث الإيجابية في أنفسنا ونشجعها على القيام بالمزيد، فالتشجيع يطلق المبادرة والفاعلية، وشكر الله تعالى يذكرنا بأن الله تعالى أنعم علينا إذ مكنّنا من هذا الخير، ولو كان صغيراً، ولو كان ابتسامة، فلا تستهين بابتسامة تخرج منك وتصل إلى شخص أمامك تسعده، وتسعد نفسك أيضاً معه، في لحظة بادرت فيها للتبسم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طلقٍ. رواه مسلم.
هذه الابتسامة البسيطة تستحق شكر النفس وشكر الله على توفيقه أن مكنّنا أن نبتسم..
يعتقد بعض الناس أن عليه أن يقوم بعمل عظيم - مثل أن يحفظ القرآن الكريم أو يحصل على شهادة دكتوراة أو يصبح غنياً - حتى يشكر نفسه، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم لا يـأتي بخطوة واحدة، بل هو حصيلة عدد كبير من الخطوات اليومية، كل خطوة منها تستحق شكر النفس لتشجيعها على المزيد من المبادرات الطيبة، وأيضاً شكر الله تعالى على توفيقه، وكذلك الحال في أي عمل كان؛ سواء كان كبيراً أم صغيراً، فلا يوجد عمل صغير، كل عمل طيب نيته لله تعالى، هو عمل عظيم، ولو كان "ابتسامة".
شكر النفس وتشجيعها يؤدي إلى الإحساس بالقيمة والاستغناء عن التقدير الخارجي، وهو مهم في التوازن النفسي، ومهم أيضاً في إخلاص العمل لله، والقيام بالعمل دون انتظار المقابل، سواء كان مادياً أو معنوياً، فالاستغناء بإحسان هو روح العمل وسر من أسرار قوة الباطن. رزقنا الله وإياكم شكر الله تعالى في جميع سكناتنا وحركاتنا.. وكتبنا في الشاكرين..
جربوا معي: اجلسوا مع أنفسكم آخر اليوم، ولو على وسادة النوم، تشكرون أنفسكم وتشكرون الله على الأعمال الإيجابية التي قمتم بها خلال اليوم، وانتبهوا إلى مشاعركم الذاتية، وبركة أيامكم..
وأخبروني: كم ارتفع شعوركم بالرضا والسعادة؟
خمس خطوات لتكون "أنت" النسخة الأصلية من نفسك
هل أنت النسخة الأصلية من نفسك؟ أم أنت نسخة مما يجرك إليه من حولك من أشخاص أو إعلام أو غيره من المؤثرات الخارجية المترامية هنا وهناك؟..
ربما يكون هذا الزمن هو الزمن الأصعب أن نكون حقيقيين لأن التأثيرات الخارجية التي تصب في مساحة وجداننا أصبحت تتراكم بطرق معقدة ومتسارعة بداخلنا، حاجبة عنا ذواتنا الحقيقية مؤدية بنا إلى الشعور بالتخبط والضياع والضيق وربما مرض العصر "الاكتئاب".. فكيف نبصر ذواتنا الحقيقية ونشعر بالقيمة والثقة والرضا والسعادة؟
أولاً: حتى تعرف ذاتك وتجمع نفسك عليها تحتاج أن تسأل أهم سؤال في حياتك وهو: ما هي قيمي العليا؟ بماذا أؤمن؟
ثانياً: تحتاج أن تسأل نفسك السؤال الثاني المهم جداً وهو: ماذا أريد؟
ثالثاً: يجب أن تتوافق أهدافك مع قيمك العليا لتصب في طريق تحقيقها فتجمع نفسك بذاتك الحقيقية، وإلا ستبقى في ضياع وتعب.. مستعيراً ذاتاً غير ذاتك.. ذاتاً رسمها لك التأثير الخارجي أو مخاوف ألقتها عليك هذه التأثيرات وجعلتك تجري متخبطاً تائهاً عن ذاتك..
رابعاً: تحتاج أن تضع خططاً لحياتك تنبثق من قيمك العليا، وتُبسّطها إلى أهداف يومية تعيش لذاتها لأنك أنت من اختارها، ولأنك تتقدم نحو ما تريد، عندما تجد أن ما تقوم به يصب في قيمك العليا سترتاح وتسكن وترضى، نعم لا شك أننا جميعاً نُبتلى ونعاني ونصبر، ولكن لن تضرنا العواصف ما دمنا نسير في مركبنا الذي اخترناه وتشبثنا به، وستمر عنا ونبقى ثابتين، وكم ستكون العواصف متعبة إذا واجهتنا ونحن لا ندري أين نحن ولم نختر أين نكون.
خامساً: نحتاج أن نقف وقفات استكشافية خلال يومنا، ونتساءل: كيف أشعر الآن؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟..
هل أفكاري ومشاعري وسلوكي يصب فيما أريد؟ أم أنا مشتت وتائه؟ فإذا وجدت نفسك – مثلاً- مستغرقاً بحوار داخلي متعب حدث بينك وبين أحد من الناس، اجمع نفسك بذاتك مجدداً بالأسئلة التالية: هل ما أفكر به يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ فإن لم يكن فاختر أن تفكر بشيء تريده يصب في أهدافك..
وإذا مررت بتجربة صعبة ومحبطة؛ قف مع نفسك متسائلاً: هل هنالك شيء ما يمكن أن أتعلمه يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ تعلم مما حدث وعد للتركيز على ما تريد.. وإذا شعرت بالانبهار من شيء يلمعه الإعلام أو يطري عليه الناس يشدك بعيداً عنك؛ اسأل نفسك مجدداً لتعود لقواعدك سالماً: هل هذا حقيقة ما أريد؟ أين أنا ذاهب وماذا أريد؟
من الطبيعي أن نتشتت أحياناً عن طريقنا، فالتشتت سيجعلنا نشعر بالضيق، ثم نعود بحب وشوق لما نريد.. ومن الطبيعي أن ننسى أحياناً ونُجر إلى ما لا نريد.. عندها سنشعر بالضياع فنعود ونقف مع أنفسنا وقفة الاستكشاف الداخلي متسائلين: ماذا أشعر؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟.. وماذا أريد؟..
فنسترجع وعينا ونعود إلى ذواتنا الحقيقية التي تعرف بم تؤمن وأين هي ذاهبة وبم هي راغبة.. فتشعر بالرضا والسعادة لأنها على الطريق.. وهذه حكمة من أننا مخيرون.. أكرمنا الله بالقدرة على الاختيار.. فلن نسعد إلا إذا امتلكنا حرية الاختيار وحرية القرار لنعيش حياتنا أحراراً متوجهين لا عبيداً مجرورين..
قد يمضي بعض الناس حياته وما استدل على قيمه العليا وما استطاع أن يعرف ماذا يريد من هذه الحياة وهم كُثر تائهون.. وقد يستدل آخرون على قيمهم العليا ويعرفون ما هي أهداف هذه القيم ولكنهم يمضون أنفاسهم في مكان آخر يرجون أن يجدوا قيمة لحياتهم في أوهام وصور يرسمها الآخرون لهم وأولئك هم المُزيّفون..
وقلة قليلة تعرف هدفها من هذه الحياة وتجتهد لتكون حياتها بأيامها ودقائقها انعكاساً لما تؤمن به، وأولئك هم المؤمنون حقاً.. أولئك هم الحقيقيون..
نسأل الله أن نكون منهم.. وأن يكون رضاه أكبر همنا.. وأفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا يصب كل يوم في طريق حبه ورضاه.. متحررين عما سواه.. اللهم آمين..
كيف تتعامل مع خطأ ولدك؟..
هل تخيفه؟ هل تنتقم منه؟..
هل تتركه دون تصحيح؟..
كيف كان رسول الله يتعامل مع الخطأ؟
هل كان يخيف الشخص؟ هل كان يعبس في وجهه؟
أم يصححه برفق ورحمة؟..
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فبأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه،
فو الله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي)،
ولا ضربني ولا شتمني،
قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.
من أين جئنا بفكرة أنني يجب أن أخيف ولدي وأجعله يكره نفسه ليحسن من سلوكه؟!
وهل الإحباط والخوف يحسن السلوك أم يربي العبيد؟
التخويف يربي عبيد جبناء، والثقة والرفق وحسن الظن يربي أحرار شجعان..
فهل أنت مربي العبيد أم الأحرار؟
صحح الخطأ من دون تخويف!