هل يجب أن يشكر الإنسان نفسه؟ وعلى ماذا يشكر نفسه؟
وهل شكر النفس يؤدي إلى العجب؟
وماذا لو لم يشكر الإنسان نفسه؟ هل سيؤثر على إحساسه بقيمته الذاتية؟
وما تأثير إحساس الإنسان بقيمته على نفسيته وسلوكه؟
أسئلة وصلتني من المتدربات في دورة مربي الشخصية الإبداعية الأخلاقية التي انطلقت قبل أسبوع، ونحن نتحدث عن أهمية إثارة المشاعر الإيجابية لفرز هرمونات السعادة التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourish ، وبالتالي تحقيق السعادة والرضا well being ، وذلك وفق علم النفس الإيجابي.
الشكر يفرز هرمونات إيجابية مهمة في تحقيق التوازن النفسي وازدهار الدماغ، مثل هرمون السيراتونين وهرمون الأكسيتوسين وهرمون الدوبامين، سواء كان هذا الشكر موجهاً لله تعالى، أو للناس، أو للنفس، حيث ينشر الشكر في النفس الإحساس بالتقدير والرضا والسعادة، لذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله. رواه الترمذي
ونحن من الناس! فهل يجب أن نشكر أنفسنا؟ وكيف نشكر أنفسنا دون أن نصاب بالعجب؟
شكر النفس هو من شكر الله تعالى، فعندما ننتبه إلى الأعمال الصغيرة التي قمنا بها خلال يومنا فإننا ننتبه إلى نعم الله تعالى علينا، فلولا توفيق الله لنا ما تحركنا من أماكننا، ولا بادرنا وقمنا بأي عمل، فهذا الشكر يجعلنا نقدّر أنفسنا ونشعر بقيمة ما نقوم به، ونحن نشكر الله في الوقت ذاته، ونرجع الفضل إليه، أي يمكننا أن نسميه: شكر الذات على أعتاب العبودية لله تعالى (وما توفيقي إلا بالله).
كما أن الإنسان إذا لم يشكر نفسه ويقدّر نفسه من الداخل، لن يعوّضه التقدير الخارجي مهما كان، لأن التقدير الذاتي ينبع من الداخل وليس من الخارج.
إذن يجب أن نشكر أنفسنا على ما نقوم به، ونربط هذا الشكر بشكر ثاني هو شكر الله تعالى على توفيقه لنا، وهنا يأتي السؤال:
كيف يمكن أن نشكر أنفسنا؟..
تخيل معي..
في آخر يومك، وقبل أن تسدل الستارة على هذا اليوم، مر بخيالك على مشاهد يومك، وتذكر:
ما الأشياء التي قمت بها وتؤثر عليك وعلى المحيطين بك؟ ماذا فعلت اليوم من أشياء إيجابية وطيبة؟
مرّ وأنت تتذكر وتشكر نفسك وتشجعها، وتشكر الله تعالى أنه أعانك..
قل لنفسك (مثلاً): الحمد لله أني.. استيقظت في الصباح، تهيئت واعتنيت بنفسي، سعيت وعملت، صليت، ذكرت الله، قمت بأعمال منزلية، تواصلت مع والديّ، سألت عن صديق، تناولت طعاماً صحياً، مارست رياضة، استرخيت، قمت بشيء استمتعت به وجددت نشاطي، استمعت إلى فيديو تعلمت منه شيئاً إيجابياً، قرأت، تصدقت، ساعدت، قلت كلمة لطيفة شكرت فيها أحداً، منعت ظلم وأذى عن نفسي أو عن غيري، سامحت، رحمت، حنوت، ابتسمت في وجه أحد..
تخيل.. كل ما سبق هو إحسان للنفس وللآخرين.. إحسان يستحق شكر النفس وشكر الله، ونحن عندما ننتبه إلى تفاصيل يومنا، ونشكر أنفسنا على هذا الإحسان، سنبث الإيجابية في أنفسنا ونشجعها على القيام بالمزيد، فالتشجيع يطلق المبادرة والفاعلية، وشكر الله تعالى يذكرنا بأن الله تعالى أنعم علينا إذ مكنّنا من هذا الخير، ولو كان صغيراً، ولو كان ابتسامة، فلا تستهين بابتسامة تخرج منك وتصل إلى شخص أمامك تسعده، وتسعد نفسك أيضاً معه، في لحظة بادرت فيها للتبسم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طلقٍ. رواه مسلم.
هذه الابتسامة البسيطة تستحق شكر النفس وشكر الله على توفيقه أن مكنّنا أن نبتسم..
يعتقد بعض الناس أن عليه أن يقوم بعمل عظيم - مثل أن يحفظ القرآن الكريم أو يحصل على شهادة دكتوراة أو يصبح غنياً - حتى يشكر نفسه، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم لا يـأتي بخطوة واحدة، بل هو حصيلة عدد كبير من الخطوات اليومية، كل خطوة منها تستحق شكر النفس لتشجيعها على المزيد من المبادرات الطيبة، وأيضاً شكر الله تعالى على توفيقه، وكذلك الحال في أي عمل كان؛ سواء كان كبيراً أم صغيراً، فلا يوجد عمل صغير، كل عمل طيب نيته لله تعالى، هو عمل عظيم، ولو كان "ابتسامة".
شكر النفس وتشجيعها يؤدي إلى الإحساس بالقيمة والاستغناء عن التقدير الخارجي، وهو مهم في التوازن النفسي، ومهم أيضاً في إخلاص العمل لله، والقيام بالعمل دون انتظار المقابل، سواء كان مادياً أو معنوياً، فالاستغناء بإحسان هو روح العمل وسر من أسرار قوة الباطن. رزقنا الله وإياكم شكر الله تعالى في جميع سكناتنا وحركاتنا.. وكتبنا في الشاكرين..
جربوا معي: اجلسوا مع أنفسكم آخر اليوم، ولو على وسادة النوم، تشكرون أنفسكم وتشكرون الله على الأعمال الإيجابية التي قمتم بها خلال اليوم، وانتبهوا إلى مشاعركم الذاتية، وبركة أيامكم..
وأخبروني: كم ارتفع شعوركم بالرضا والسعادة؟