من الشائع في تربيتنا التقليدية – مع الأسف، أننا نريد من أبنائنا أن يقوموا بعمل يحتاج إلى تكوين مهارة وبناء عادة، مثل ترتيب الغرفة أو الدراسة، بمجرد إعطاء أوامر، أو لجوء للمكافآت أو العقوبات، على غير وعي منا بما تحتاجه المهارة لتتكون في الدماغ، فمثلاً لندرب ولدنا على مهارة ترتيب الغرفة نحتاج إلى شرح خطوات وتفاصيل العمل، ثم تشجيعه على القيام به تحت إشرافنا، على أن تكون مهام المهارة ملائمة لعمره.
ثم الانتقال إلى مرحلة القيام بها وحده، مع تذكيره في حال نسي، برفق و دونَ لوم، حتى نساعد المهارة لتتكون في الدماغ وتتعمق مساراتها فتصبح عادة.
يجهل الأهل في كيفية تكوين العادات والمهارات في الدماغ، فيريدوا من ولدهم أن يقفز قفزة واحدة من مرحلة أول المعرفة بالعمل إلى مرحلة الالتزام به في غضون فترة قليلة، ربما تكون يوماً واحداً! وهو شيء مستحيل لأن ضعف تشابكات المهارة في الدماغ يجعل الإنسان غير واعٍ بالقيام بها، وينساها بسهولة عند تذكر أي شيء آخر أكثر متعة أو أكثر أهمية بالنسبة له.
يلجأ الأهل إلى المكافأة والعقاب وإلى أساليب الضبط السلبي لسد الفجوة الكبيرة بين أول المعرفة واكتساب المهارة، فيشعر الولد بالإحباط، وتبدأ المعاناة معه والتمرد وإساءة السلوك.
ما الحل؟
لنأخذ مهارة الدراسة على سبيل المثال:
1- اشرح خطوات العمل في البداية، واشرف عليه بعدها للتأكد أنه تم استيعاب أجزاء وتفاصيل العمل. مثل أن تشرح لولدك كيف يدرس، وتبقى جالساً معه، لتتأكد أنه جلس وركّز، ويقوم بخطوات العمل بشكل صحيح ليكتسب مهارة الدراسة. (يمكن أن تقوم بعد فترة من جانبه عندما تتأكد أنه اكتسب المهارة، ولكنه يحتاجك إلى جانبه في البداية ليعتاد على الجلوس، وهو أمر صعب لطفل في البداية)
2- تهيئة المكان و الزمان لممارسة العادة يسهّل على الدماغ التمكّن منها لتصبح سجية.
ضع قانوناً: مثل: الدراسة تبدأ الساعة الرابعة، وهيئ مكاناً مناسباً ومريحاً خالياً من المشتتات، واجلس معه في المكان لتنشر الراحة والدفء والسكينة.
3- التذكير بحبّ: ذكر ولدك بحبّ و دون توتر إذا تأخر عن الدراسة وانشغل بشيء آخر، من خلال كلمات قليلة بنبرة حازمة لا تخيفه ولا تؤنّبه مثل: "الدراسة أولوية".
كم ستحتاج من الوقت؟
الأمر يعتمد على عدة عوامل، لا يوجد وقت محدد، قد يكتسب ولدك المهارة في شهر، وقد يحتاج متابعتك وتشجيعك لسنوات، الأمر لا يتعلق بالذكاء، بل بنوع الذكاء، فلا شكّ أنّ ولد ذكاؤه الحركي أو الاجتماعي مرتفع سيحتاج منك وقتاً أكثر من ولد ذكاؤه الذاتي مرتفع، الثاني يحبّ أن يجلس ويركّز أكثر.
تذكّر أنه لا يوجد أحد أذكى من الآخر، لكن اختلافنا حكمة وجمال من الله الحكيم العليم، ليعمر هذا الكون، وكلٌّ ميّسر لما خُلق له.
كما أن قوة علاقتك به ومحبته لك تسهّل عليه تكوين العادات الإيجابية التي تدعوه إليها، وعلى العكس؛ سوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا تجعلهم يتمرّدون علينا وعلى الأعمال الفضيلة التي ندعوهم إليها، انتقاماً منا على سوء المعاملة.
عندما تتابع ولدك وتشجّعه ليكتسب العادات الإيجابية؛ أنت تؤسّس لديه عادات التفوق والنجاح التي يحتاجها مدى الحياة، وعندما تؤنّب ولدك أو تلومه أو تعاقبه وأنت تجهل صعوبة ما يحتاجه الأمر ليتكون في الدماغ ويصبح سهلاً عليه وعادة له؛ فإنك تربي إنساناً محبطاً فاقداً الثقة في نفسه، يرى نفسه لا يرقى لأن يكون ضمن توقعاتك؛ فيفقد الرغبة في السمو والتطور الذاتي، ويشعر بالعجز.
تعاملك مع ولدك وصبرك عليه وتشجعيك له يرسم ملامح شخصيته ويوقد دافعيته الذاتية نحو الأمام، فانتبه لردة فعلك، وكن رفيقاً.
إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.